الاثنين، 29 ديسمبر 2008

- محطات البداية




محطات البداية :

ان الاحساس المبكر بالمسئولية جعل من الفتى الغض محط انظار الجميع ، فقد مكنته تلك المسئولية من ان يكون قدوة لغيره ، فقد كان وعلى غير عادة الفتيان فى سنه تظهر عليه علامات التقوى والتدين ، وقد حاول ان يجد لنفسه حظا من التعليم ، الا ان الظروف القاسية لم تسعفه فهجر مقاعد الدراسة مبكرا ، وكان حينها فى الصف الثالث الابتدائى فى وقت كانت فيه فرص التعليم بين ظفرين فقرر ان يلج عالم التجارة فى تلك الفترة المبكرة من سنه .

كانت اول تجارة احترفها – الفتى – تجارة الليمون بين مدينة( صنعفى) وقرية" ظرونا ولم تكن هناك عربات نقل حينها فكان يقطع المسافة الطويلة ما بين المدينة والبلدة سيرا على الاقدام ويعود منها الى قريته بعد نهاية يوم عملى مضنى ومرهق وهناك كانت والدته تنتظره بفارغ الصبر ، فكان بذا ان حاز على احترام زملائه واخوته فقد افلح فى تحمل المسئولية فى تلك الفترة الحرجة من عمره فكان ان تحمل مسئولية نفسه منذ صغره فنشأ عصاميا بكل ما تعنى هذه المفردة .

كانت المحطة الثانية من حياته العملية ان عمل كاجير يومي فى احدى البقالات بمدينة صنعفى يغدو صباحا ويروح فى المساء قاصدا قريته النائمة بين احضان التلال الشاهقة. ونظرا لان قريته تقع على الطريق الرئيسى بين مدينتي صنعفى وعدي قيح فقد رأ ى الفتى ان يشترى دراجة هوائية تعينه فى رحلة الذهاب والاياب الشاقة من والى القرية فى رحلة لا تخلو من المخاطر والاهوال ، وبعد تنفيذه لتلك الفكرة اصبحت حياته تتحسن يوما بعد يوم، لكن الفتى اتخذ ذات مرة قرارا قضى ببيع الدراجة رغم اهميتها بالنسبة له .. ففى احد الاعياد وبينما كان يقود دراجته بسرعة كبيرة من قريته حتى لاتفوته صلاة العيد فى صنعفى، اصطدم باحد المارة فاصيب ذلك الشخص باصابة لم تكن بسيطة ، ولكن الرجل عفى عنه بعد ان عرفه ، ولكن الفتى قرر منذ ذلك اليوم وداع عالم الدراجة الى الابد ، وفضل العودة الى رحلة السير على الاقدام . ان هذا الموقف لدليل على ان النضج العقلى عند الفقيد كان قد اكتمل وهو لم يبلغ سنا كبيرا بعد فكان استغناؤه عن اعز الاشياء اليه بسبب كونها كانت سببا فى تأذى شخص ما.

اما المحطة الثالثة من حياته العملية وكتطور طبيعى للحياة التجارية كمّا ونوعا فقد بدأ الفقيد العمل فى تجارة السمن والعسل ليس بين قريته ومدينة صنعفى ، بل تطور الى نطاق اكبر حيث كان مسار تجارته ما بين مدينة صنعفى التى جعل منه نقطة انطلاقه ومدينة اسمرا العاصمة ، واستطاع بامانته المعهودة وحبه لعمله ان يضيف الى حياته اصدقاء جدد فى اسمرا ، ومن بين هؤلاء التجار صديقه فيما بعد الشيخ ابراهيم عبدالله والذى يقول عن بداية صداقته مع الفقيد : (( جاءنى محمد سعيد الى الدكان ذات مرة يحمل عسلا للبيع وبعد ان اتفقنا على القيمة سألته ان لايكون العسل مغشوشا وان يكون باطنه كظاهره فاكد لى انه صافي وبعد ذهابه تشككت فى الامر نسبة لعمليات الغش الكثيرة التى كنا نتعرض لها انذاك فكان علي التاكد فقمت باجراء بعض الاختبارات ووجدت العسل كما قال فعرفت انه انسان صادق ومن هنا بدأت صداقة ورحلة عمر لم تنقطع حتى بعد ان هاجر كلانا الى المملكة العربية السعودية )) .

ومما يؤكد امانة الفقيد انه فى احدى المرات اشترى عسلا من احد اهل البادية باعتباره عسلا صافيا فباعه الى احد الاشخاص وفق ذلك الاعتقاد ، ولكن الشخص المشترى عاد بعد فترة واخبره بان العسل غير اصلي فتألم كثيرا لانه وثق فى البائع الذى باع له وكان يعرفه ولكنه وحفاظا للمودة تحمل الخسارة ولم يخبر الرجل ما كان من امر العسل الذى اشتراه منه.

بعد هذه المحطات التجارية الداخلية قرر الفقيد خوض غمار الاغتراب فسافر الى المملكة العربية السعودية ، وعمل بها لفترة من الزمن على مرحلتين ولكن الحنين عاوده الى تراب الوطن الذى شهد مولده ونشأته الاسرية والتجارية ، فعاد الى مدينة صنعفى عودة نهائية وكان ذلك فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى ، حيث افتتح بقالة بايجار شهرى وسط السوق وسرعان ما اشتهر لامانته وحسن تعامله مما ادى الى حدوث بعض التطور الملحوظ فى الحياة الاقتصادية للاسرة .

عمل الفقيد مع ابنائه لفترة طويلة فى البقالة وكان يوم السبت هو يوم سوق المدينة تمتلئ فيه المدينة بالمتسوقين القادمين من القرى المجاورة ، ولذلك يبدأ النهار مبكرا وكنا نستعد لهذا اليوم ، حيث كانت شقيقتى زهرة وشخصى نقوم كباعة نفرش الارض بجوالات السكر نعرض عليه بضاعتنا من مواد استهلاكية فى مكان قريب للبقالة بينما الفقيد وشقيقي اسماعيل كانا مسؤولان عن البقالة ولم يكن يطيق الفقيد العمل فى البقالة وقت الصلاة ، فاذا كان لوحده يغلق البقالة ومن ثم يصلى ويعود اليها .. وكثيرا ما كان يجد امام باب البقالة الصغيرة زبائنه ينتظرونه حتى يعود .. وفى المساء حوالى الساعة الخامسة والنصف مساءا يبدأ الجميع فى التجمع فى البقالة لتقييم العمل وكنت اعجب من دقة حسابات شقيقتى عندما كان يستلم مننا الفقيد البضاعة المتبقية ونسلمه مبالغ المباع.
لم يستطع الفقيد مواصلة العمل فى البقالة فتركها وواصل تجارة السمن والعسل مهنته المفضلة ، ولكنه استطاع ان يضيف اليها حرفة اخرى ولج اليها هذه المرة مستفيدا من خبرة التعامل مع الزبائن التى اكتسبها من خلال اعماله التجارية السابقة فكان ذلك بابه للولوج الى عالم المقاولات ، فاصبح من كبار المقاولين فى مدينة صنعفى ، واستطاع ان يبنى من خلال هذه المهنة جسر تواصل مع كافة الجهات وخاصة الجهات الرسمية واعضاء الادارات الحكومية المختلفة بالمدينة ، ولاسيما مصلحة الاراضى مما اكسبه الاحترام الرسمى من خلال تسديده للضرائب ومتعلقاتها اولا باول والشعبي من خلال امانته واخلاصه وحبه لعمله.

---------------------------------------------------

ظرونا هى بلدة تقع فى غر ب صنعفى وهى احدى البلدات التى شهدت اعنف المعارك بين القوات الاثيوبية الغازية والجيش الارتري فى الحرب الحدودية الاخيرة