مقدمة:
انه لمن سخرية القدر ان يجد المرء نفسه يكتب عن تاريخ من يصعب الكتابة عنه لانه وببساطة متناهية يصعب على المرء ان يجد نفسه فى مثل هذا الموقف الانساني ، ويزداد الامر صعوبة عندما يكون الامر عمن اغدق خيره على الكل ثم تأذن الجميع الرحيل فشد الرحيل فى هدوء لدار ربما اعد لها اكثر من اعداده لحياته التى عاشها .
الحاج محمد سعيد صالح ..." يبا محمد سعيد" اسم يعنى الكثير بالنسبة لمن تعطن بفوح مدينة صنعفى ، ولكن وبطبيعة الحال كان يعنى لى الاكثروالاكثر ، فكما كان والد الجميع معاملة ومعايشة ، فقد كان ابى نسبا وصلبا، وكان رحيله بالنسبة لى انقشاع ابدى لغيمة استظللت بها سنين عددا .. شجرة فارعة هوت من جذورها قبل ميعادها .. زهرة ذبلت قبل ان تتفتح .. وردة نفحت الجميع بطيوبها ولكنها بدون مقدمات ساقتها يد الاقدار الى دار غير التى الفها بعيدا .. بعيدا حلق لهناك مع طيور العطاء ... رحل وبقيت ذكراه تتناقلها القوافل والركبان .
لقد كان من الصعوبة بمكان ان اكون مسئولا عن مشروع توثيق حياة الراحل ، بحكم انه والدى فى المقام الاول فقد كنت اسائل نفسى ماذا ستكتب يا علي ؟ وعن ماذا ستتحدث ؟ ومن اين ستبدأ ؟ تساؤلات عديدة اطلت برأسها تستحثنى الاجابة ، ورغم عجزى عن ايجاد الاجابات الناجعة والناجذة الا اننى آثرت ان اكتب ولو جزء مما يمكننى الحصول عليه من المعلومات المتعلقة بالوالد ولسان حالى المثل الانجليزى الذى يقول " شيئ خير من لا شيئ " وكذلك "ان تأتى متاخرا خير من ان لا تاتى ابدا ".
اذا ..هي مسئولية اجتماعية وتاريخية القت على عاتقي من اجل توثيق تاريخ رحلة الوالد ، واملي ان اوفق فى تسليط الضوء ولو على جزء من جوانب حياة الفقيد ، وان كنت اعرف انه من المحال الاحاطة بكل الجوانب لانقطاعى عنه طيلة 16 عاما الا الاجازات الخاطفة ، ولان الفقيد وبشهادة الجميع كان انسانا بكل ما تعنى هذه الكلمة من معني وايحاء واشارة وقد اجد انطباعى واحاسيسي تدخل بين تلابيب تعبيرى وربما اجد العذر فى ذلك لان ارتباطي الروحي بالوالد قد يطغي على مشاعرى فتأتى كلماتى نبعا من دواخلى الكسيرة بفقده فانا من فيض ذاك السهل ومن نبع ذلك النهر وفرع من ذاك الاصل ، وكل امانى ان اوفق فى عرض ما امكن من الحقائق والدقائق بادق التفاصيل والله ولي التوفيق وهو المستعان .